الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

قصة ليست قصيرة

قصة ليست قصيرة
كانت جميلة منطلقة مفعمةٌ بالحياة، تخرجت بتفوق و توظفت في مدرسة بعيدة حسب مقاييس تلك الفترة، فقد كانت تبعد عن منزلها خمس دقائق بالسيارة بينما ابنة الجيران المحظوظة تذهب على قدميها. 
اجتهدت في الوظيفة و عملت بجد دون كلل أو ملل، أفكارها كانت سابقة لعصرها و أداؤها كان مميزاً عن البقية. مضت السنون واحدةً تلو أخرى و الزواج، هو المشروع المؤجل في حياتها، فلا يوجد وقتٌ بعد الترقية التي حصلت عليها لأي شيء ، الآن عليها مضاعفة الجهد لتثبت لمن اختارها لهذا المنصب أن اختياره كان موفقاً. 
و تواصل السنوات طيها لكن هذه المرة بسرعة أكبر كالسرعة التي بدأ فيها الشيب بغزو شعرها الجميل و التجاعيد التي قضت على نضارة الموظفة الصغيرة لتصحو يوماً على وفاة الأم ثم الأب و استقلال الجميع من أخوة و أخوات بأُسرٍ جديدة. 
فجأة أدركت أنها وحيدة.. تحيط بها جدران تملؤها شهادات الشكر و التقدير ثمناً لسنوات عمرها الذي مضى .. لكن الشهادات لم تكن تواسيها حين تبكي و لم تشاركها الضحك المصطنع على المسرحيات القديمة و لم تحتضنها حين صرخت خوفاً من صوت العامل الذي كان يواعد الخادمة...!
فكانت النتيجة أن دفنت نفسها في الوظيفة أكثر مما فات، لتزداد الشهادات و الدروع رصاً على الجدران و لتتوغل الوحدة في قلبها أكثر و أكثر. و كان جل ما يقلقها اقتراب موعد التقاعد الإجباري ..! ماذا ستفعل حينها ؟ و أين ستذهب و مع من ستقضي الأيام الباقية ..؟ كيف سينجلي الليل دون تعاميم تدرسها أو مشاريع تبتكرها..؟ أجابها عن تلك الأسئلة الاستشاري المختص بالأورام، ليعلن لها أن الأيام الباقية ستكون في المستشفى و الليل الطويل ستقطعه خطوات الممرضات و ضحكاتهن و لا شيء آخر. في البداية زارها المقربون من الأهل و المخلصون من مكان العمل و شيئاً فشيئاً تسرب الملل للجميع، و زادت وطأة الأيام ثقلاً و سواداً تمنت فيها حضور المدير أو حتى الغفير للإطمئنان عليها.
 في صباح يوم الأحد علا في الغرفة صوت هاتفها، التقطته الممرضة و كانت إحدى الموظفات على الطرف الآخر، أبلغتها الممرضة بوفاة زميلتها المتميزة منذ ساعتين، و سألتها إن كانت تريد شيئاً ضرورياً فقالت : لا خلاص ..! كنت أريد السؤال عن نوع إجازتها لهذا اليوم ..!!