التاريخ: عشر سنوات مضت
الحصة : السابعة
المادة: اللغة الإنجليزية
الموضوع: حٓدٓثٓ في ٣/ ع
المعلمة: آمال العرجان
ذهبت مسرعةً إلى الحصة السابعة أحمل دفتر التحضير المثقل بأوراق لا تسمن و لا تغني من معرفة، تتملكني الحيرة ماذا سأقدم للطالبات فأنا لا أعلم بتغيير الجدول و لم اضع في أولوياتي فصل ثالث علمي الوحيد في مدرسة القرية و الممتلىء حتى التخمة ب٤٥ طالبة يحلمن بوظيفة صحية و لا شيء سواها..! ألقيت التحية بالعربية و الإنجليزية و لو كن يعرفن الفرنسية لخاطبتهن بها عل الوقت يمضي.
فجأة سقطت تفاحة نيوتن على رأسي و قررت في لحظة أن اليوم هو اليوم العالمي للآباء دون أن استشير الأمم المتحدة أو اليونسكو أو حتى إدارة المدرسة ..! ثم ناقشت الطالبات في كتابة رسالة محبة و تقدير لوالدها تشكره فيها على جميل صنعه فالأمهات أخذن نصيب الأسد من العرفان ناهيك عن الأجر، فما الذي يمنع من تحريك المشاعر قليلاً تجاه الأب..!
و بالفعل تحمست البُنيات للفكرة و بدأن بكتابة الأسطر وحداً تلو الآخر و يسألن أحياناً عن تهجئة كلمة أو صحة صياغة الجملة و تفاجأت بمضي الوقت البطيء دون إعادة للتحايا ..!
بدأنا نقرأ الإجابات و جاء الدور على زهرة التي وقفت بطولها الفارع كي تسمعنا كلماتها و دموع تلمع في عينيها لم انتبه لها إلا بعد حين.
والدي العزيز اتقدم اليك بالشكر الجزيل عما قدمته لي و لأخواتي طوال السنوات الماضية لقد كنت لنا أباً و أماً و صديقاً و أنا افتقد تمشيطك غير المتقن لشعري و لازلت أتذكر اليوم الذي أصبحت فيه امرأة كاملة الأنوثة و أنا بالصف الرابع ...أتذكر الخجل الذي قفز في وجنتيك و أنت ترشدني إلى تفاصيل لم أعي يومها أنها محرجة. أعدك بأن أجد و اجتهد لأجلك و لأجل الليالي الطويلة التي سهرت فيها على راحتنا...ابنتك و أختك و صديقتك زهرة.
كنت مشدوهةً لا أعرف ماذا أقول ..! و سألتها رغم علمي بتفوقها: أنت متأكدة مما كتبتيه أنا طلبت رسالة للأب و ليس الأم و هنا تساقطت تلك الدموع المختبئة و كان ردها بالعربية بصوت متقطع نعم أعلم هذا و أنا كتبتها للأثنين للأم و الأب لأن والدي كان كذلك، توفيت والدتي و نحن أربع بنيات صغيرات أنا أكبرهن في السادسة من عمري و الصغيرة منا مولودة لها أيام و رغم و جع الفقد و الفجيعة إلا أنه كان أقوى من كل شيء، رفض الزواج خوفاً من تسلط أحدٍ علينا، غير نظام عمله و تكفل بكل شؤون بيتنا الصغير الخالي من خادمة و تعب كثيراً حتى كبرنا و كانت أسوأ أيامه، أيام خياطة غرز التفصيل لي و لشقيقاتي ..! هنا ضحكت هي و بكيت أنا ..!
كم من الأسرار تحملها هذي الفصول كم من التضحيات خلف هذه الوجوه اليافعة و كم من الظلم أيضاً في حياتهن لا نعلم عنه شيئاً.
اعطتني زهرة منديل ، دخلت علينا المعلمة المناوبة تصرخ : " انتهت السابعة ما سمعتوا الصفارة ورانا رجال و عيال "...!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق