كيكة أرامكو
عندما تخرجت من الصف السادس عزمت أمي على إقامة حفلة صغيرة لي و لصديقاتي من بنات الحي و الأقارب ، و بالفعل بدأت تستعد و اشترت لي فستاناً أبيض لازلت اتذكر تفاصيله ، كما اتذكر التفاصيل التي اهتمت بها والدتي متعها الله بالصحة و العافية و من ضمنها كيكة الحفل .. طلبت أمي من احد أقربائنا ممن يعملون في "شركة الزيت العربية السعودية" أن يوفر لنا كيكة أو حتى طحيناً من "أرامكو" مهما كان الثمن و نحن نتكفل بإنجاز باقي المهمة ، فلابد أن تكون الكعكة متفوقة كصاحبتها ..!
منذ ذلك الحفل بدأت تتشكل ملامح أرامكو في عقلي كأبنة الشرقية ، مقر الشركة ، و تباعاً ارتبط كل شيء جميل و مميز بأرامكو ؛ فأسمع عن فلانة المكسية بالذهب " زوجها أرامكو" و صاحب المنزل الجميل " من عمال أرامكو" و المدرسة الجميلة في آخر الحي كانت مبنى " أرامكو" بل و كانت أمنية كل النساء زوجاً لأبنتها من " أرامكو" ...!
بكل الفخر كانت عيناي تتابع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي ، مع كل مشوار لمدينة الدمام أو ما جاورها و انتظر اليوم الذي سيفتتح فيه و أحدث نفسي بنوعية الأنشطة التي سيقدمها و النقلة التي سيحدثها على الصعيد الثقافي و حتى الإقتصادي في المنطقة.
كعادتها تمر الأيام سريعة علينا شديدة البطء على المشاريع ، و مع هذا كان العذر قائم ، المشروع ضخم عملاق و يحتاج للوقت .. ثم .. ثم أخيراً تم الإعلان عن يوم التدشين و على يد من ..! الافتتاح بحضور كوكبة من نخب المجتمع و بتشريف من الملك سلمان حفظه الله الذي سيدشن عدداً من المشاريع برفقة ذات المركز....
حل اليوم الموعود، الجمعة ، لكن أبت إرادة الله تعالى إلا أن يتبعه شاهد و مشهود ..! ففَتْحنا أبواب السماء ..أبواب السماء فقط، لكنها كانت كافية لتغسل وجه الأرض و تلطخ وجه الإنسان ..! زال الغبار و الأوساخ عن كل المباني ، زالت عنها ارقام المعاملات و إعلانات المناقصات و الأهم تعرت من كل الريالات و التصق كل ذلك بالإنسان ..! أي إنسان هذا الذي لم يستوعب حتى الآن ماحدث في جدة و الرياض و أنه لابد سيتكرر مادام الفساد حياً يرزق ..!
لأول مرة في حياتي اشعر بالشفقة على أرامكو لأول مرة أراجع نفسي في قرار ترك التعليم للالتحاق بأرامكو .. و لأول مرة أرى مضيفاً أنيقاً ينزح الماء من مبنى أرامكو الذي لم يسكن بعد ..! ما حدث الليلة كارثة بكل المقاييس ، كارثة اقتصادية عمرانية ثقافية و حتى إنسانية فسمعتنا أصبحت على المحك لا والله تحت المحك لا عليه و السبب قطرات ماء ..! أولو كانت " البعيدة " تسونامي ماذا حدث ..؟! صحيح المبنى لازال قائماً و الخطأ وارد و أرامكو ليست ملاكاً ، لكن أن يحدث الأمر مع زيارة الملك للمنطقة و ليلة الافتتاح هذه تحتها ألف خط ..! و على كل حال سأفكر ألف مرة قبل زيارة المركز شتاءً ، فالصيف رغم كرهي له أأمن و أحوط .
الآن سيبدأ البحث عن شماعة لتعليق المصيبة عليها، هل المسؤول أرامكو أم المقاول أم المطر ..؟ هل يعقل أن يكون المقاولون الأفراد ممن يبنون بيوتنا كالهنود و السعوديين و غيرهم أفضل من مقاول أرامكو ..!؟ هل كيكة أرامكو لذيذة للدرجة التي أنست القائمين على البناء موضوع المطر؟! و على ذكر الخير ، المطر الذي ضرب المركز هو نفسه الذي ضرب منازلنا و محلاتنا و كل حياتنا و مع هذا نحن ننعم بأمطار خير و بركة ، لكن للأسف لم يعم نفعها أرجاء البلاد ..
في عرفنا نحن المعلمات من تُراجع ورقة الاختبار أهم ممن تصححها و هي اللتي تعتمد الدرجة النهائية ، في ورقة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي غاب المصحح و المراجع و بقيت ورقة الاختبار مبللة بالقليل من الأمطار و الكثير من دموعنا..!
كتبته .... أمال العرجان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق