في يومها الأول كمديرة جديدة لمدرسة البنات بدأت مهام عملها قبل دخول البوابة بتأنيب لأبي عامر الذي افترش غرفة الحراسة مع رفاقه من سائقي الحافلات المدرسية للإفطار و التدخين، و بصوت جهوري قالت : أيكم البواب ..! ليقفز أبو عامر بسرعة و يقف على رأسها- القصير نوعاً ما- و يردد بخوفِ رجل غلبته النساء: "سمي آمري موجهه..؟!"
"لا .. لا ... أنا المديرة الجديدة أرفع الزبالة من غرفتك و نظفها و لا حتى الجني يجلس معاك وقت الدوام ..!"
و داخل أسوار المدرسة العالية لم يكن نصيب أم عامر أقل من زوجها بل على العكس نالت من التأنيب كماً أنساها كل المديرات اللطيفات ممن سبقن الأستاذة وديعة ..
بعد أسبوع من القوانين و القرارات الصائبة و الخائبة قررت الاستاذة وديعة تخفيف الضغط عن دورات المياه بتهيأة حمام الساحة الخلفية و فتحه للطالبات ...و لأول مرة رفضت أم عامر الانقياد للأمر .. بل كانت تنتفض و هي تردد لنفسها بصوت شبه مسموع "قل أعوذ برب الناس ملك الناس .." و قطع الآيات صوت وديعة :
سأوقعك على لفت نظر لعدم قيامك بمهام عملك ..! يا استاذة لو وقعتني على الفصل و إنهاء الخدمات لن أُدخل حمام الساحة أبداً ..!
لماذا ..؟!
أنا أخاف أخاف بسم الله بسم الله ... رددتها و هي تلتفت يمنة و يسرة ثم اتبعت ...قبل أكثر من عشرين سنة انتهى اليوم المدرسي و بقيت طفلة من طالبات الصف الأول في الحمام لم يفتقدها أحد إلا بعد العصر و عندما حضروا للمدرسة وجدوها هناك في حالة سيئة و بقيت عدة ايام ثم اختارها الله ..و تقول زميلتي السابقة أنها كانت تسمع أصواتاً من تلك الناحية و كذلك الطالبات و بقي المكان مهجوراً مقفلاً منذ ذلك الحين ..!
ماشاء الله قصة و خيال واسع و يفترض أن أصدق هراء مستخدمة مثلك تؤلف القصص حتى تبرر تكاسلها عن العمل ..!
رفعت وديعة سماعة الهاتف و اتصلت بالمديرة السابقة و سألتها عن الموضوع و أنهت المكالمة بعبارة : " لن استريح ...و لن اسد الباب .. و أهلاً بالريح .. " و أكملت .. " مديرة فاشلة متخلفة ..!"
أحيانا يصدر الناس أحكاماً على الغير بسبب موقف أو تصرف واحد عند وديعة كانت مكالمة واحدة كافية و كافية جدا
في الإجازة الأسبوعية حضرت المديرة مع اشراقة شمس يوم الخميس و بصحبتها اثنين من العمال .. و طلبت منهم تكسير باب الحمام المغلق بإحكام طيلة هذه السنوات و بالفعل كسر العمال الباب و تقدمتهم وديعة للدخول فمن يدري قد تخفي هذه الـ " أم عامر " مصيبة لابد من كشفها .. ثم طلبت من أحد العمال كسر القفل الداخلي لباب الحمام وجد العامل سلسلة ذهبية بحرف (العين) معلقة على القفل حاول انتزاعها فلم يفلح و اشارت إليه وديعة بأنها غير مهمة ابدأ التكسير و فعلا كسر القفل فأنبثق منه سائل أحمر و بدأت قطراته تبلل أرضية الحمام الجاف ذي الرائحة النتنة .. صاح أحد العمال : هذا دم ..!؟ نظرت إليه وديعة باستخفاف و قالت : حتى الصدأ لا تعرفونه ..!
و أمرته باحضار منشفة و طلبت من العامل الثاني احضار المنظفات كي تبدأ عملية التطهير ..!
بعد دقائق عاد العمال إلى وديعة و يبدو أن المشوار الصباحي أنهكها فجلست مستندة إلى الجدار لكنها نظفت الحمام بسرعة فائقة فقد كان زاهياً لامعاً كالجديد مع بقاء رائحته النتنة ..
كانت وديعة مطأطأة رأسها و هي تطلب من العمال أن يعيدوا تركيب القفل الداخلي و الخارجي و حتى المنظفات لا حاجة لها .. لقد تم التطهير بنجاح ..!
تبادل العاملان نظرات الدهشة و قال أحدهما :
" أنتي مدير كبير خلاص كيفك ..!"
مع صبيحة يوم السبت استدعت وديعة أم عامر و جاءت المسكينة تجر رجلاً وتؤخر أخرى .. و قالت :استحلفك بالله لا تفصليني لأجل حمام تريدين فتحه .. افتحيه أنت صاحبة المكان لكن ...
قاطعتها وديعة :
"أفتح ماذا و أترك ماذا .. سيأتي العمال بعد قليل لتركيب مجموعة العاب للبنات مدرسة كئيبة مافيها روح ..! افتحي التكييف لأقصى درجة الغرفة حارة ..!"
ثم أعطتها نشرة و طلبت منها توقيع طاقم المدرسة كاملاً على ما ورد فيها و هي أولهم ..
في غرفة المعلمات فتحت استاذة مها الدفتر و بدأت بقراءة النشرة على زميلاتها اختصاراً للوقت :
" على جميع المنسوبات الابتعاد عن دورات المياه الموجودة بالساحة الخلفية فهي خطرة جداً و آيلة للسقوط حفظكم الله من كل مكروه ... مديرة المدرسة ... عهود ..! "