كتبت عن جدتي لأبي عايشة العرجان رحمها الله تعالى و اسكنها فسيح جناته؛ لأنني عشت معها طفولتي و صباي حتى تزوجت لكنني لم احدثكم عن جدتي لوالدتي ..! ربما لأنني أراها مرة في الأسبوع فقط و ربما لأنها كانت دوماً مشغولة..!
جدتي السيدة منيرة بنت محمد السويلم ، كانت رحمها الله طويلة القامة نحيفة سمراء البشرة هادئة الطباع، تزوجت صغيرة من محمد بن علي بوخوة و أنجبت منه عبدالرحمن و فاطمة. لم تذكره يوماً بسوء دوماً تترحم عليه و من لطائف سيرتها معه تقول رحمها الله : في زمن القلة و الحاجة كنّا على الغداء و هو يأكل و يضع بجانبي قطع اللحم الطري لأكل معه لكنني كنت أنحيها جانباً و أكل الأرز فقط ، لاحظ تكرار ذلك فسألني عن الأمر فقلت له : ارفعه لأمي ..! فقال لها رحمه الله كلي و لعمتي رزقها ، فكان يومياً يطلب منها أن تحسب حساب والدتها في (الإيدام ) توفي عنها و هي صغيرة فتزوجت من جدي محمد بن أحمد السويلم و أنجبت منه صالح و طرفة (والدتي) و سارة و كان معه رحمه الله بناته من زوجته المتوفاة منيرة و عائشة . في اجتماعاتنا الأسبوعية كانت تجلس صامتة و مصحفها بين يديها و اذا تحدثت قالت دعوا الناس و شأنهم ..!
لماذا كانت مشغولة ..؟! كان لقبها " المطوعة أم عبدالرحمن " و لم يأتِ اللقب من فراغ فقد كانت محفظة ، معلمة للقرآن لبنات عدد من الأسر المعروفة في الاحساء كأسرة العبدالقادر و غيرها. من عجيب ما رأيته في جدتي رحمها الله أنها تعلمت القرآن على يد احدى السيدات الأميات كشأن الجميع في سنها لكنها تعلمت القراءة بنفس الوقت الذي تعلمت فيه القرآن ، و قالت لي عن ذلك ، حروف القرآن هي حروف العربية لا فرق من يستطيع قراءة القرآن يستطيع قراءة أي شي ...! و والله الذي لا إله إلا هو أنني أحياناً أأخذ الكتاب من بين يديها و اقول لها جدتي مقلوب كانت تضحك و تقول ( اعرف اقراه و هو مقلوب ) طبعاً أنا لا اتحدث عن كتيبات صغيرة أو مكتبة بسيطة أنا اتحدث عن مكتبة عامرة كانت رحمها الله تقرأ في رياض الصالحين و الكبائر، تفسير الجلالين ، ابن كثير و حبيبها كتاب زاد المعاد و كتب كتب لا حصر لها كلها في الدين و العقيدة و سير السلف و الله كأن مكتبتها الصغيرة الحجم العظيمة المحتوى أراها امام عيني الآن ..!
المصحف رفيقها الدائم، دائما في يدها تتناوب صفحاته على أصابعها مع مسباح تقلبه لتذكر الله، حتى اذا خرجت كانت تحمل حقيبة كبيرة نوعاً ما تضع فيها مصحفها المكتوب بالرسم الفارسي و مصحف الختمة المقسم إلى اجزاء و علبة او اثنتين من الماء ، فقد كانت تقرأ و تنفث في علب الماء و توزع على كل مريض ..! مع هذا كانت سمحة لم تصرخ فينا يوماً كانت تدعونا للصلاة بقول هادىء و بفعل مستمر فهي إما ساجدة أو راكعة هكذا أتذكرها. و ظلت رحمها الله تصلي و هي واقفة رغم مرض القلب الذي انتابها في آخر أيامها و لم تجلس للصلاة إلا في أيامها الأخيرة على سرير العناية المركزة في مستشفى جلوي حيث توفيت رحمها الله في شهر رمضان. في تلك الفترة رافقتها والدتي في المستشفى و عندما تحضر كانت تخبرني بأمور عنها لم افهمها جيداً حينها.. كانت الغيبوبة تعاودها بين حين و آخر فإذا انتبهت توضأت و صلت و بدأت تسبح بيديها مع ما فيهما من مغذيات و أسلاك للأجهزة و اثناء غيبوبتها كانت تقول لأمي : احضري المصحف لم اقرأ القرآن اليوم و ترد عليها امي : انت في المستشفى مصحفك ليس هنا و كان ردها رحمها الله : هذا هو مصحفي أمامك ألا ترينه اعطيني إياه اعطيني إياه ..! كانت تراه و نحن لا نراه ..!
و حدث و هي في الغيبوبة أن قالت لأمي : لا تحزني عليّ أنا ذاهبة إلى دار المقام ..!
رحمها الله و والدينا و والديكم و جميع المسلمين شخصية لن تتكرر أبداً تمنيت أن أكون أنا أو احد ابنائي او حتى أقربائي نسخة منها لكن للأسف لا أحد يعوض أحد ...!
آمال العرجان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق