الاثنين، 10 يوليو 2017

شعب الله المختار

 

قبل اربع سنوات تقريباً ، حضرت إلى منزلي عاملة إِفريقية من اثيوبيا تحديداً. و رغم كل ما سمعته عنهم من وحشية و قسوة إلا أنني تغلبت على مخاوفي و وضعت يدي على جبهتها الموشومة بالصليب ، كأنني البسها الحجاب و تمتمت بالدعاء المأثور. للمرة الأولى أتعرف على شخصية أفريقية بغض النظر عن الشخصيات المصرية فمصر أم الدنيا و ليست أفريقية فقط. ..! المهم أنها كانت شخصية عجيبة لم تتعرف على أي شيء في المنزل لدرجة أنها في الصباح الأول بيننا لم تعرف كيفية فتح الباب لتخرج من غرفتها ، فمقبض الباب ابداع و حنفية الماء اختراع عجيب غريب في نظراتها الغائرة بين عظام وجهها الأسمر الهزيل. و مع هذا كانت تصرفاتها تجاه الطعام خاصة بعيدة عن حالها ، فعملية كالأكل كانت تأخذ منها وقتاً طويلاً ، تأكل بهدوء و لا تشرب واقفة أبداً ..! كانت أشبه بالسيدات اللاتي قرأت عنهن في الروايات الانجليزية التي درستها ...! من أين و كيف اكتسبت هذا لا أعلم ..!

بالأمس شاهدت كغيري المقطع المتداول لنساء يتدافعن أو لنقل يتقاتلن لأجل الحصول على بعض القطع المخفضة في أحد محلات البيع بالتجزئة ، المنظر كان بشعاً مقززاً مخيفاً فإذا كان هذا الحال و البضاعة مدفوعة فكيف سيكون الأمر إن كانت مجانية ..! لم اسمع تعليقاً من أحد على أين و من و متى كان الأمر .. كل التعليق كان على سلوك انساني بغيض نتقاتل فيه كبشر على حطام زائل و عندما أقول حطاماً فأنا أعني ذلك حرفياً ..!

نحن جميعاً و دون استثناء نغوص في بحر من التصرفات المتناقضة لكل منا مزايا و عيوب ، فطاغية كفرعون كان فيه من الخير القليل الذي جعله يستقبل موسى و يتبناه في بيته و نبي كيونس ترك قومه دون أن يأذن الله له فلا كامل في البشر و لا معصوم منهم إلا من حكم الله له بذلك. و يتكبر منا من تكبر ليعلن على الملأ أن كل سيدة ظهرت في ذاك المقطع لا تمت لنا و لا لمجتمعنا المقدس بصلة....! فليس كل من ارتدت العباءة سعودية ....! و إذا افترضنا أن هذا الأمر صحيح ، فكيف نفسر للعالم ما حدث قبل أشهر قليلة في إحدى مراكز بيع المواد الغذائية حين تم الإعلان عن تخفيضات وهمية تسابق عليها الأغنياء قبل الفقراء و شاهدناهم يتقاتلون و أطباق البيض مكسرةً تحت أقدامهم ...! هل تجمع الأفارقة أيضاً و لبسوا الثياب البيضاء و الأشمغة الحمراء و تقاتلوا على صابون الثياب و على الأرز طويل الحبة و على اجهزة التلفاز و على و على .. القائمة طويلة.... أم ربما كانوا من شرق اسيا او من الدول المجاورة فبشرتهم مقاربة لنا و ملامحهم شديدة الشبه بِنَا ....! لكنهم لا و لم و لن يكونوا سعوديين أبداً فنحن شعب الله المختار، الشديد التدين و التهذيب و البالغ الحد الأقصى في الالتزام بفنون الذوق و آداب الاتيكيت ، مجتمعنا كامل و نحن معصومون و كل تشويه أو فساد يُكتشف فيه هو أمر دخيل أو مؤامرة تُحاك خيوطها أو جماعة أفريقية اضناها الفقر الذي أضنى عاملتي ...! 

لنفتح بصيرتنا على المشكلة الحقيقية ، بدلاً من إلقاء اللوم على الأخرين ..! لقد اصبح المجتمع و أنا واحدةٌ منه ، يعاني من حمى الاستهلاك و التي أجزم أنها جاوزت الأربعين درجة بمراحل .. ما شاهدناه و سنشاهده بعد أيام في تخفيضات رمضان ينذر بوصولنا للغليان ..! نحتاج إلى تنمية ثقافة التدبير و التوفير و الاستهلاك الصحيح المقنن مع عدم الانسياق لكل لوحة حمراء تلوح في الأفق بين حين و آخر؛ نحن بحاجة ماسة لذلك لأن في كل مكان هناك بيع و شراء ، في المراكز الكبرى و الصغرى و في البيوت بل و وصل الأمر للمدارس و مع هذا نقف عند كل مناسبة أمام كم هائل من الثياب لنقول ماذا سأرتدي الليلة ...؟! 


آمال العرجان 



https://www.hasanews.com/6436464.html?mobile=1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق